mercredi 20 février 2013

لا عيد للحب..



من الأعياد ما ظهر نتيجة  اعتبارات اجتماعية  وثقافية وتاريخية تخص مجتمعات على حدة .. ولهذا فقبل  أن نتخذ ذاك العيد عيدا .. فل نعد لنحفر وننقب في صفحات وسجلات التاريخ  للكشف عن المسوغات والخلفيات السيوسيولوجية والثقافية  التي كانت وراء ظهورها ... مادام الأمر يتعلق بشيء قد ظهر في لحظة تاريخية ما ولم يظهر منذ أن ظهرت البشرية..
ومن هذه الأعياد ما ما وصل إلى ''العالمية'' في شكل أيام عالمية  (اليوم العالمي للمرأة..اليوم العالمي لمحاربة الرشوة...) للخروج من الدائرة  والاعتبارات الثقافية الضيقة للاحتفالات إلى الدائرة الكونية الواسعة حيث يصبح هذا اليوم/أو هذا العيد (الذي اختلق لغاية مضمرة أو معلنة) عيدا للكل والعالم وليس عيدا لمجتمع معين وثقافة محددة.. لكن هل يمكن أن ننزع عن ''الأعياد'' لباسها الاجتماعي والثقافي لتصير أعيادا كونية عالمية؟ هل من الممكن خلق ثقافة كونية لمجتمعات ذات أصول تاريخية ومرجعيات دينية متباينة؟ أم أن الحديث عن الثقافة الكونية والأعياد الموحدة مجرد أساطير جديدة؟
 كانت البشرية منذ الأزل تعرف الحب. وكانت تعرفه بأرقى صوره  وأسمى تجلياته .. حب بوسائل نبيلة وغايات مشروعة .. حب يجعل الحبيب يضحي بالغالي والنفيس لكي تكون محبوبته نصفه الآخر .. حب يجعل العاشق هائما ولهانا في بحر هيام معشوقته .. حب يجري خلف الأنظار في الكواليس من دون هدف الشهرة والتباهي بالمحبوبة..حب يجعل المرأة متعلقة بحبيبها لأنه ''رجل- شجاع: النبل والأخلاق.. وليس لأنه '' وسيم  ،ناعم.. المظهر والشكل..
 أما اليوم – وبعد تنامي ''الحب الالكتروني'' والمظهري، فينتظر العشاق في كل سنة ،في كل أنحاء العالم، حلول الرابع عشر من شهر فبراير للتعبير عن عشقهم وحبهم لبعضهم.. '' معتقدين '' أنه عيد الحب أو عيد العشاق أو "يوم القديس فالنتين  saint Valentine،فيرسلون بطاقات عيد الحب .. ويهدون  الزهور الحمراء ويشترون الحلوى، لأحبائهم.فما هذا الحب وما أصله؟ وهل الحب مجرد ورود حمراء وبطاقات الغرام و كلمات عابرة يهديها  العاشق لمعشوقه  في مناسبات معينة محددة؟  هل يصح للعاشق انتظار ''عيد الحب'' ليهدي ''رمز'' الحب للمحبوب؟ أم أن الحب شعور لا يعرف الأعياد والمناسبات؟
 [ يعتبر عيد الحب من أعياد الرومان الوثنيين، إذ كانت الوثنية سائدة عند الرومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرنا، وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي، ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرومان، وعند ورثتهم من النصارى
جاء في الموسوعات عن هذا اليوم أن الرومان كانوا يحتفلون بعيد يدعى "لوبركيلي" في 15 فبراير من كل عام، وفيه عادات وطقوس وثنية، حيث كانوا يقدمون القرابين لآلهتهم المزعومة، كي تحمي مراعيهم من الذئاب، وكان هذا اليوم يوافق عندهم عطلة الربيع، حيث كان حسابهم للشهور يختلف عن الحساب الموجود حالياً، ولكن حدث ما غير هذا اليوم ليصبح عندهم 14 شباط في روما في القرن الثالث الميلادي
وفي تلك الآونة كان الدين النصراني في بداية نشأته، حينها كان يحكم الإمبراطورية الرومانية الإمبراطور كلايديس الثاني، الذي حرم الزواج على الجنود حتى لا يشغلهم عن خوض الحروب، لكن القديس فالنتاين تصدى لهذا الحكم، وكان يتم عقود الزواج سراً، ولكن سرعان ما افتضح أمره وحكم عليه بالإعدام، وفي سجنه وقع في حب ابنة السجان ، وكان هذا سراً حيث يحرم على القساوسة والرهبان في شريعة النصارى الزواج وتكوين العلاقات العاطفية، وإنما شفع له لدى النصارى ثباته على النصرانية حيث عرض عليه الإمبراطور أن يعفو عنه على أن يترك النصرانية ليعبد آلهة الرومان ويكون لديه من المقربين ويجعله صهراً له، إلا أن فالنتاين رفض هذا العرض وآثر النصرانية فنفذ فيه حكم الإعدام يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ليلة 15 فبراير عيد لوبركيلي، ومن يومها أطلق عليه لقب "قديس".  
وبعد سنين عندما انتشرت النصرانية في أوربا وأصبح لها السيادة تغيرت عطلة الربيع، وأصبح العيد في 14 فبراير  اسمه ''عيد القديس فالنتاين'' إحياء لذكراه؛ لأنه فدى النصرانية بروحه وقام برعاية المحبين، وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل الورود الحمراء وبطاقات بها صور كيوبيد الممثل بطفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً، وهو إله الحب لدى الرومان.]
صحيح - أن الحب قيمة القيم .. لا يعرف الجغرافيات ولا الثقافات و لا نختلف في ذلك. لكن الاحتفال به في مناسبات معينة أمر ينبغي التأكيد على أنه ''ثقافي جغرافي''.. و(عيد الحب) خلق اجتماعي له علاقة بالرومان..عيد له مبررات ومسوغات مرتبطة بثقافة وتاريخ الرومان ... لهذا لا ينبغي أن نفصله عن ثقافته ومنبته الغربي الروماني.. اذ إن التحليق ''بعيد الحب'' خارج هذا المنبت يجعل  من الحب عيدا .. عيد بلا مناسبة.. ولا موعد.. بل قد يكون الموت يوم عيد ويوم الحب...
مما يروى عن الأصمعي ، أن شخصا كان عاشقا لفتاة عشقا إلى حد الجنون.. لكن أبوها كان حاجزا بينه وبينها .. فلما أراد أن يخفف من جنونه كتب على صخرة كبيرة بالحي  على الطريق مخاطبا العشاق '' أيا معشر العشاق بالله خبِّروا ، إذا حلًّ عشق بالفتي كيف (ماذا) يصنع؟!''
فلما مر الأصمعي بجانب الصخرة . وقرأ ما كتبه العاشق، حمل صخرة صغيرة وكتب على الصخرة الكبيرة نفسها، ردا على العاشق: '' يداوي هواه..ثم يكتم سره..ويقنع في كل الأمور ويخنع!''
مر الأصمعي بالغد على نفس الصخرة، فوجد العاشق قد كتب قائلا : '' وكيف يداوي! والهوى يقلق الحشا وفي كل يوم قلبه يتصدع؟! ثم كتب الأصمعي مرة أخرى '' إذا لم يجد بُدّا بكتمان أمره، فليس له سوى الموت ينفع.''
فجاء الأصمعي بعدها بيومين، وإذا قبر عند هذه الصخرة مكتوب تحتها '' سمعنا.. أطعنا.. فمتنا.. فبلغوا سلامي لمن قد كان بالوصل يمنع ( يقصد أب الفتاة) ''. فما موقعنا بالنسبة للحب الذي يجعل العاشق يفدي بروحه من أجل حبيبه؟ أم أننا '' فالنتاينيين'' نعبر عن الحب لساعات ثم نرحل ؟
هكذا عرف القدامى حبا  قاتلا .. وهكذا احتفل الإنسان القديم بالحب عن طريق الموت.. تعبيرا عن عشقه لمعشوقه.. ولم يعرفوا ''فالنتاين'' ولا غيره ..  وربما هكذا كانت الثقافة العربية تحتفل بالحب بدون مناسبات.. بدون مواعد.. بل قد كان للحب موعد مع الموت للقاء الحبيب..  فهل الحب هو التعلق بالمحبوب إلى درجة الفداء بالروح من اجله؟ أم وردة حمراء بدل الموت تكفي ،وإن كانت لا تعبر عن الحب؟


سعيد الطاهري 14/02/2013

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire