mercredi 20 février 2013

ظاهرة العزوف عن الزواج




اعتقد أن العزوف عن الزواج بات ظاهرة سوسيولوجية بارزة بشكل قوي في المجتمع المغربي. ولهذه الظاهرة أسباب لا يمكن حصرها فقط في المواقف الشخصية للأفراد،ولا في محيطهم العائلي،أو الاجتماعي ككل.بل في كل هذه الأسباب وأخرى.. باعتبارها ظاهرة بنيوية،تتفاعل فيها مجموعة من المكونات.
لا يمكن أن نغفل حقيقة على أن "الموقف الشخصي" من الزواج قد يكون سببا من الأسباب،على اعتبار أن فئة في المجتمع،وإن كانت ضئيلة جدا، تعزف عن الزواج بحكم موقفهم من   الزواج كـ  "حدث اجتماعي" قبل كل شيء، كأن يكون موقفه مثلا هو أن الزواج ليس ضروريا ولا واجبا بل هو من الأشياء الثانوية،لأنه يختزله فقط في المتعة الجنسية..ومادام هو مثلا،قد حقق إشباعه الجنسي بطرق " غير مشروعة" استنادا إلى معايير أخلاقية، فلا دافع إذن إلى الزواج.. ويمكن هنا أن نقيم ربطا بين هذا الموقف الشخصي وبين ظاهرة ما يعرف بـ " المصاحبة" التي ارتفعت بشكل لافت للنظر في أوساط المجتمع المغربي في أماكن متعددة (المؤسسات التربوية ..الجامعات.. المقاهي...) دون أن ننسى ما للإعلام من دور في تثمين هذه العلاقات وتسهيل طرق إنشائها في العوالم الافتراضية التي سرعان ما تتحول إلى عوالم واقعية في وقت من الأوقات... ومن هنا يمكن اعتبار  وجود إشباع جنسي  ناتج عن ظاهرة "المصاحبة"،أو ما أفضل تسميته ب، "حب المتعة الجنسية" سببا حقيقيا في اتخاذ قرار  اللازواج ،حتى وان كان تأثيره ضئيلا... وفي نفس الصدد قد يكون عدم الفهم الحقيقي لمعنى الزواج كـ"مؤسسة اجتماعية" سببا في تكوين آراء سلبية تجاهه..
ويمكن أن نجد من الأسباب أيضا،وارتباطا بظاهرة "المصاحبة" وظواهر أخرى كـ "الخيانة" "التفكك الأسري" سبب فقدان الثقة في إمكانية إنجاح مشروع زواج أو إقامة هذه"الشركة الروحية"،التي من قوامها المودة والحب والتعاون والإخلاص والثقة... نظرا لكون "الفتاة" التي يمكن اتخاذها زوجة،سبق لها أن كانت "صاحبة لفلان" أو حتى "ممارسة للعمل الجنسي " بشكل خفي وغير معلن ...إذ غالبا ما ترد عبارات في ألسن شبابنا،تبرر  عدم إقبالهم عن الزواج بغياب هذه  "العفيفة" التي يمكن اتخاذها كنموذج للمرأة  والزوجة الصالحة ، كـ، " بنات اليوم ما فيهم ثقة... الجلالب والقوالب...  جربتهم كاملين ومافيهم ثقة... ماكاين علاش تعول،كلشي بحال بحال.... راه ماكاين غي الطمع.... الله إلاقينا مع بنت الحلال ويبعد علينا بنات الحرام..."
وفي نفس الإطار،وعودة إلى دور الإعلام والمواقع الالكترونية،يمكن القول إن ولوج الشباب لمواقع الكترونية إباحية،سواء كان ذكرا أو أنثى، ومشاهدة "الأفلام الخالعة او ما يعرف بالبورنو"،يؤدي إلى تحقيق "متعة" جنسية "بشكل متخيل" أو عن طريق الاستمناء (العادة السرية)،مما ينتج عنه ضعف الرغبة الجنسية بمعناها الطبيعي البيولوجي الواقعي كعملية يلتقي فيها جسدين مختلفين،لأن الغريزة والشهوة الجنسية أخذت طابعا  "تخيليا" إلى درجة أن الشاب المدمن على ذلك يجد صعوبة في إمكانية تصور  تحقيق متعة جنسية عن طريق ممارسة واقعية مع الزوجة...  وقد يؤدي في نفس الوقت الإدمان على تلك المواقع الإباحية،وما ينتج عنها من إدمان على العادة السرية، إلى الإصابة بالعجز الجنسي،بالتالي هنا نتحدث عن سبب بيولوجي للعزوف عن الزواج.. ولا غرابة فقد نشر موقع "غوغل GOOGLE" مؤخرا تقريرا يكشف على أن أكثر الكلمات المستعملة  من طرف المغاربة في البحث هي كلمة "جنس،أو  موقع الجنس"...
إذا كانت الأسباب السابقة كلها في منحى نفسي (فقدان الثقة في النساء) أو في منحى بيولوجي (اشباع جنسي غير مشروع- المصاحبة وولوج دور الدعارة- أو مشاهدة  أفلام البورنو - الذي ينتج عنه عجز جنسي)، فان ثمة أسباب ذات طابع اجتماعي واقتصادي وديني أيضا.
أما عن الأسباب الاقتصادية،فنجد أن الزواج "مشروع"، لا بد أن تتوفر له شروط لإنجاحه وضمان استمراره،ومن هذه الشروط ،وجود دخل قار،أو على الأقل دخل يسمح بتدبير متطلبات الحياة اليومية (ضرورية كانت أم كمالية)، إلا إن  وجود شريحة كبيرة في المجتمع،وأكثرها من فئة الشباب، توصف بـ" المعطلين"،يجعلنا أمام فئة عريضة ترغب في الإقبال عن الزواج إلا أنها لا تستطيع ذلك لغياب العمل/الشغل الذي يضمن له توفير شروط الحياة الزوجية،خصوصا  وأن الكثيرين يؤمنون بـ  "الرجال قوامون على النساء...". مما يجعله يعتبر نفسه  المسؤول الأول والأخير  في توفير حاجيات العيش مع الزوجة،إلا أن عدم وجود عمل يجعله يؤجل هذا المشروع إلى حين العثور على العمل أولا.ومما يبرر هذا القول،أن فئة من المعطلين (ما يزيد عن 60 شخصا) ،الذين تم إدماجهم في قطاع الوظيفة العمومية التابعة لوزارة التربية الوطنية يوم 2012/04/17 في وقفة احتجاجية لهم أمام مقر وزارة التربية الوطنية،بعد أن تم عزلهم من وظيفتهم، بدعوى انه لم تتوفر فيهم الشروط الكافية لكي يبقوا في العمل الذي ذاقوا حلاوته لمدة سنة ، رفعوا شعارات جاء من بينها : "خليتونا حتى واعدنا عائلات..." بمعنى بمجرد الحصول على العمل،أقبلوا على مشاريع الزواج ووعدوا عائلات .. لكن بمجرد أن صاروا عزلا، سيخلفون الوعد بلا إرادتهم ،وسيصيرون عُزّبا  من جديد..بعد أن أوشكوا على أن يكونوا أزواجا.
  ورغم وجود إمكانية الزواج من  "موظفة"  وذات راتب شهري قار أو غير قار... إلا انه ينبغي الإشارة إلى إن خروج المرأة ،والمغربية خصوصا، إلى العمل وولوجها  للسوق،أدى،بشكل أو بآخر إلى تغير نظرة المرأة إلى نفسها بحيث ظهرت في المجتمع تلك المرأة التي لا ترى في نفسها "مجرد "جسد" لتحقيق نزوات الرجل،وإنما ذات فاعلة قادرة على أن تنتج،وتدبر،ليس أمور المنزل،بل حتى أمور الدولة... وهذا الأمر أدى بدوره إلى  وجود شروط قد لا يقبلها،آو لا يطيقها الرجل الذي قد يتقدم إلى الزواج منها ،كشرط  حفاظها –مثلا- على عملها،وبالتالي حفاظها على دخلها،مما يعني أن المرأة التي كانت تتكلف بتربية الأبناء في المنزل،وبإعداد الوجبات ،أصبحت "رجلا" يعمل ويشقى خارجه.. إذن الرجل بلا عمل ويبحث عن عمل ليتزوج بامرأة  توفر له الراحة في المنزل وتربي الأبناء،والمرأة بعمل وتبحث عن زوج يقبل أن تظل في عملها .. فكانت النتيجة  "لا احد وجد ضالته" فصرنا أمام عزوف عن الزواج ...
وباختصار فالعمل قد يكون سببا في العزوف عن الزواج،خصوصا من جانب المرأة..وقد يكون غياب العمل سببا كذلك في العزوف عن الزواج خصوصا من جانب الرجل..ولا غرابة،فنحن نسمع" ماعندي مندير بشي موظفة،بغيت منين نجي لدار نرتاح"...كما نسمع  " مالوا ..ابقا اصرف علي انا ..راه قراوني والدي باش نخدم عليهم وعلى راسي،داكشي علاش إلا بغاني انا اخليني ف خدمتي..."
ومن الأسباب السوسيو-اقتصادية الفقر،والهشاشة الاجتماعية. فوجود شريحة كبيرة في المجتمع لازالت تعاني مع توفير لقمة العيش اليومية،وغياب منزل يمكن أن يأوي أسرة،أدى إلى العزوف عن الزواج... خصوصا أن تعقد شروط  الزواج،كشرط وجود منزل مستقل عند الزوج،وعدم وجود إمكانية توفيره،كراء أو اقتناء أو بناء من طرف الزوج، إذ غالبا ما ترد عبارات كهذه على ألسن اللائي تقدم اليهن رجال،"انا راه مايمكنش لي نعيش مع والديك،الا بغيتي تزوج بيا دير ليا الدار ديالي..." وهذا حقيقة مرتبط  بالصراعات التي تشهدها ما يسميه دوركايم،بالأسر الممتدة،والتي تتألف من  الأجداد والأعمام وأبناء الأعمام ...فغالبا ما تكون هناك توترات داخلية ولا استقرار في مثل هذه الأسر... لكن مع  تنامي ظاهرة الفردانية والاستقلالية الانتاجية،والانتقال من المجتمع المؤسس على الفلاحة والاستقرار،إلى المجتمع الاقتصادي والمقاولاتي، أخذت هذه الأسر في الاندثار والاختفاء،وبالتالي نقصت حدة المشكل المرتبط بوجود منزل مستقل،بسب الهجرة والعمل خارج الموطن الأصلي. ولكن ذلك انعكس بشكل سلبي على مؤسسة الزواج،  حيث أصبحنا أمام شروط جديدة،لا ترتبط فقط بالاستقلالية في السكن،وإنما بشروط الحياة بصفة عامة،من قبيل : ( حتى تكون عندو البارطما appartement ،والسيارة وشي صالير   صحيح salaire   bon ) .. وهذا في حد ذاته مرده إلى ضعف الوازع الديني لدى الفتى أو الفتاة. فإذا كان الدين (الإسلامي،باعتباره الدين الرسمي للدولة المغربية حسب الدستور) لا يرى في الزواج هدفا للمتعة المادية وملذات الحياة وملاهيها،وإنما شرطا ضروريا للاتصاف بالعفة والحفاظ على الطهر والنقاء، لتفادي ظواهر الاغتصاب والدعارة والزنا و"التحرش الجنسي"... إلا أن أمر الواقع يكشف على أن عددا قليلا من الناس من يجد فرصة "لكي يكمل دينه"،لان الزواج في نظره ليس "وسيلة" للطهر والنقاء والعفة،وإنما "فرصة" للتمتع بالحياة بألوانها المختلفة،من تسلية وتنقل،ورحلات،وتررد على المقاهي وخروج إلى المنتزهات،وحتى العلب الليلية،والديسكوهات،وحضور المهرجانات.. "آش خاصك يا مسكين..خاتم امولاي".. إذن كيف لمن لازال يعاني مع لقمة العيش اليومية،وبدون منزل،ويتصور الزواج بهذه المواصفات،أن يقبل على الزواج...بل لن يكون إلا رافضا له وعازفا عنه،إلى أن يجد ضالته أو يغير تصوره ويخرج من ضلاله وسباته العميق؟؟؟ بل كيف لمن هو حاصل على شغل وله راتب شهري متوسط،لكنه متبوعا بأسرة لا أحد فيها قد حصل على عمل،أن يتزوج،وهو ينفق أجرته كلها عليهم ولا يوفر شيئا لنفسه؟أهذا حقا عازف عن الزواج،أم هو متزوج بأسرة كلها،لكنه بدون زوجة ولا أبناء؟ أليس هو حقا أبا لأب وأم وإخوة وأبناء الإخوة؟؟

01/06/2012

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire