jeudi 28 février 2013

يومياتي




أحلام على ورق

...لكل منا أحلام يطمح إلى بلوغها.. لا احد  يدري أتتحقق أحلامه ام لا؟ لأن القد وحده من يملك الجواب ..
لقد سألونا،حين  كنا صغارا عن حلمنا في الحياة،وحيث كانت البراءة والتفاؤل أعظم مما نحن عليه ..وحيث لم نتحسس بعد قساوة الحياة.. فأجبنا عن سؤالهم بأعين تغمرها الثقة في النفس " أريد أن أكون كذا وكذا..." ، " أريد أن أصير..." ، " أريد أن أعيش كما..." ، "أنا فقط أريد أن..." ...
هي أحلام كان أساسها الرغبة الجامحة في تحقيق صورة من الصور الممكنة للذات (هوية ما) ، غايتها حب الارتقاء والسير نحو الأفضل والابتعاد عن الأسوأ (هذا ما كنا نعتقد)..و لا غرابة فتلك هي الطفولة التي لم نعشها ولا هي...فكانت أحلامها مجرد كلمات ينطق بها اللسان وتعجز عنها الأيادي...إذ قليلا منا من كان حظه وافرا فالتقى بحلم طفولته  في رشده وشبابه ..  أحلام كانت كالبذور، غير أن البيئة الصالحة لزرعها لم تتوفر بعد.. فزرعت في أعالي السماء ... وترقبتها أعيننا المغمورة بالحب أن تنزل يوما من الأيام...
لنشبه أحلام الطفولة بقطار انطلق من لا محطة بدون قصد.. وكان مصيره الغدو والروح فوق سكك لا تنتهي إلى أي مكان.. وان كانت أحلام طفولتنا شبيهة بهذا القطار..فهو نفس القطار الذي طمحت أحلام شبابنا أن تركبه.. لأن الأحلام نفسها لا تعلم المسار والمآل... فنحن إذن أمام أحلام مجهولة القصد والمكان يسوقها الزمان.. فما مصير أحلامنا.. وما مصيرنا بأحلامنا بعد العراك الشديد مع الحياة الحاضرية من اجل تلك الحياة المستقبلية الممكنة؟؟؟
غالبا ما تكون الأحلام في منتهى الروعة والجمال.. بيد أن كيفية القبض عليها أروع منها ... فهي السر فيها.. هي أحلام ليست بغريبة ولا مستحيلة .. لكن تبقى الأحلام أحلاما...ولا مجال للعجب أو الاستغراب..فهي شيء سبقنا إلى الأمام ولم يترك لنا إشارة ولا عنوان.. فقد سكنت عمارة الزمان واتجهت حيث لا تدري ولا ندري.. فسرنا وراءها في ظلمة حالكة .. ودروب معتمة... وحيرة شُجاعة وقلق شديد.. ومعاناة ممتعة.. لا نخشى في الطريق شيئا،لا الفشل ولا الضياع ولا الانهزام..لا نخشى إلا الموت.. ليس موتا بالجوع والعطش .. ولكن قد نموت بالشوق إلى تلك الأحلام التي قد تموت في الزمان دون أن نلتحق بها ...
لكن سنكتب في الأوراق أحلامنا لتشهد أننا تعبنا ورغبنا في الوصول إليها ولقائها.. وأننا عشنا بها ومن اجلها .. ومازلنا في غمار وعراك مع التاريخ ليسجلها في سجله...ويبقى الأمل في بلوغها مداد جهدنا لنكتبها في أوراقه .. وها نحن كتبنا احلامنا في الأوراق ..فماذا كتبت لنا يا زمان في أوراقك....
من يومياتي ..2008/08/30 - مكناس

dimanche 24 février 2013

صورة.. وتعليقنا

وسط اليابس دائما هناك شيء أخضر
مهما ملأ الشر الحياة  والوجود الانساني ،ومهما أحاط بعض الناس الأشرار بالشر  وحصنوه،فهناك دائما إمكانية لاستنبات الخير وسطهم بل سيظل الخير ينبت من داخلهم  ومن اعماقهم..وفي جنباتهم حتى يعم.. وسينتشر الخير وينتصر  ويسقط الفساد والشر ويسقط معه كل الأشرار .. وهذا ما تدل عليه تلك النباتات الصغيرة التي تظهر على يمين الصورة من الأسفل،فهي بداية ظهور الأخيار الذين سيكتسحون  المكان ..ويصير كل شي أخضر.. أما النبتة الصامدة الشامخة ،فتمثل نور الخير الأصلي الذي ينبغي للنباتات الصغيرة أن تقتفي أثره لكي تستحوذ على الفضاء وتتغلب على  الشر (اليابس-الحصى) ويصير  الخير هو الظاهر .. والبارز
 فلا تيأس .. لا تياس مما تراه حولك من شرور وأشرار .. من نفاق ..كذب.. نهب... قتل.. اعتداء .. فيمكن لكل شيء أنستغير..كما يمكنه أن  يختفي ....لكن لايمكنه الاختفاء إلا بعد الظهور...لذلك فقد ظهرت كل هذه الشرور وكل هؤلاء الأشرار لكي يشرعوا في   رحلتهم  إلى الزوال  ... فكن انت  أول من أعلن بداية انسحاب الشر من الوجود..ولا تكن ماء يسقيه.. كن انت بداية عودة الأشياء إلى أصلها الأول،فالأصل هو الخير  أما الشر فقد نبت نتيجة امتناع الناس عن الخير.. فكن انت الخير كله وازرعه من حولك ليختفي الشر.. فعندما تكتسح النباتات الخضراء مكانا ما فسيختفي اليابس .. ولهذا فالشر مجرد قوة  فاسدة عرضية زائلة.. أما الخير فسيظل إلى الأبد لأن مصدره قوة مطلقة خالدة لا نهاية لها ... لاننا نفوسنا تحن وتشتاق إليه كما تحن الأشياء إلى أصلها ... وهذه قوة لا يمكن مقاومتها...

أولى ابداعاتي القصصية



عبير الحنين
كان جالسا في شرفة المقهى يحتسي قهوة الصباح .. وكان يفتش في ذاكرة صباه .. وإذا بها تمر فالتقطها بأنفه.. ثم بعينيه..
أبعد فنجان القهوة من شفتيه حتى لا تختلط رائحة القهوة  برائحة ذاك العطر الساحر الجذاب .. ومن دون أن يدري ، قام من مكانه مسرعا ..
الآن، بينه وبينها أمتار قليلة.. وبكل قوة صوته الرجولي الخشن، استوقفها كما يوقف الشرطي من اخترق قانون السير، صائحا : قفــــــــــــي!..قفــــــــــــــــي.. !
توقفت.. وأدارت وجهها إليه.. نظر إليها .. لم يحدق طويلا ثم أغمض عينيه.. لكنه تفحصها طولا وعرضا بأنفه.. أصابه الدوار من شدة الرائحة .. تلعثم لسانه ولم يتلفظ ولو بكلمة واحدة.. وفي قرارة نفسها تساءلت لمَ استوقفها..
 دنا منها فتبدد استغرابها.. واعتقدت انه يريد أن يضمها بكل شغف.. فإذا به طبع قبلة على جبينها  بكل حياء..ثم انكسر وقبَّل رجليها بكل تدلل، وتشمم ثيابها..
 لم يمنعها اندهاشها من أن تظل شامخة شموخ النخيل في فصل الإثمار... رفع رأسه..  اغرورقت عيناه دمعا.. نظرت إليه .... انكسر شموخها .. ومسحت وجنتيه بكفٍّ حانية  ..  فقال لها ''رحمة الله عليها.. لقد كانت تُضَمّْخُ بمثله ثيابها.. لكنها التحقت  بالرفيق الأعلى في غيابي..''.. ثم ترك العجوز واقفة.. ورحل ..

mercredi 20 février 2013

هل نسي الإنسان إنسانيته؟




هل نسي الإنسان إنسانيته؟ سؤال كان الدافع من ورائه  الخوف على فقدان إنسانيتي.. فكان بكائي..صراخي تحسري..أسفي.. عنوانا عريضا يشعرني على الأقل بأن  بعض عروق الإنسانية لازالت تنبض وان توقف بعضها .. وفي نفس الوقت يجبرني على طرح سؤال آخر يبعث  في نفسي بصيصا من الأمل على أن سفينة استعادة الحياة في العروق الميتة وضخ دماء الإنسانية لازالت تسير، ولو وسط أمواج تهددها بالغرق.. هذا السؤال الذي ليس إلا كلمتين وهما : " ماذا يجري؟".
سؤال " ماذا يجري؟" سؤالٌ نقلني من الخوف والبكاء.. إلى التيه والقلق: فأنا  تائه بين الصحف والمواقع وأمام الشاشة الصغيرة لمعرفة ما يجري... وقلِقٌ لأن الذي يجري يفقدني أعصابي ويجعلني أكثر توترا وخجلا من نفسي.. فيعود الخوف من جديد ليهدد ما تبقى من  إنسانيتي بالموت.. بل ليهدد روحي وحياتي عندما يطلب مني الانسحاب من العالم أسوة بالذي قال حين عمت الفوضى العالم :"أوقفوا الأرض لأنزل" . وليست الفوضى هي التي عمت العالم فقط.. بل الفوضى في أبشع وأحقر صورها: فماذا تكون الدماء الرخيصة التي تهرق وتسري كالأودية يوميا دون خجل ولا استحياء،وماذا يكون الإجرام والاغتصاب والتوريط..  وماذا يعني وضع الأطفال الأبرياء في القمامات.. إن لم يكن يعني الفوضى والضباب والأزمة... وأي أزمة هذه؟ وهل بعدها  أزمة..أم هي أزمة الأزمات ؟؟
كاد التيه والحيرة يختفيان عندما كادت المواقع الالكترونية والقنوات التلفزيونية والصحف اليومية،باختلاف مرجعياتها واديولوجياتها وخلفياتها الفكرية،تتحد في الجواب على سؤال "ماذا يجري؟"،لتكتب عناوين بارزة بلون احمر،لون الخطر – وان اتخذه البعض خطأ لونا للرومانسية-  تعلن حقيقة تكاد تكون كذبة لا تصدق .. هذه الحقيقة التي ليست شيئا آخر أكثر من أخبار غالبا ما تبدأ بفعل مبني للمجهول  - وهو الخطر الثاني في العنوان بعد اللون الأحمر،"قُتل..قُتل أزيد من..،اُغتصبت.. اغتصب شاب.. سُرقت... وُجد طفل مرمي في قمامة بـ.. "
ولسنا في هذا المقام في موقع المحققين..ولا نستطيع أن ندعي أننا قادرون على وضع هذا القناع لكي نحقق في ما يجري ،ونكشف عن " الفاعل" و" المفعول به" و "أداة الفعل".. بل سيكون مقامنا هذا مناسبا لطرح سؤال أكثر خطورة  يجمع شتات أسئلة المحققين دون ان يرتبط بفاعل ما في حد ذاته. هو سؤال يكشف "الفاعل" معرفا محددا  وليس "فاعلا" نكرة مجهولا لأننا لن نطرح سؤالا كهذا: " من القاتل؟من المقتول ؟ وبم قتل؟ بل سيصير سؤالا ربما سخيفا عقيما وساذجا أيضا ،لكنه أكثر سلاسة وإحراجا في نفس الوقت،خصوصا عندما نصوغه بشكل يسمح بالجمع بين الاختصار والدقة  والإحاطة الشاملة للموضوع،وهذا ليس بجديد ولا غريب على من خطا خطوات في درب تعلم حسن طرح علامة الاستفهام كشرط من شروط الحصول على إجابة مقنعة ،فنتساءل بهذا الشكل عوض ذاك: "لماذا القتل؟". ويمكن أن نعوض كلمة " القتل " بأي كلمة أخرى،كالاغتصاب،النهب،السرقة،التخلي عن  الأطفال... وحين نطرح السؤال بهذا الشكل فان الفاعل لن يظل مجهولا حيث يكلفنا عناء البحث والتنقيب، حين نبدأ البحث بالمشتبه به .. والمتهم .. لكي نصل،بشكل لا يترك مجالا للشك إلى الجاني .. ثم العقوبة وقد تكون هي جريمة أخرى (فهل يمكن أن نصلح فاسدا بفاسد؟)،بل سيصير معلوما علما مطلقا ،إذ يحدده تحديدا دقيقا لا شك فيه.. لأن الفاعل في آخر المطاف هو " إنسان". فلماذا القتل والاغتصاب والسرقة والنهب ورمي الأطفال في القمامات أيها "إنسان"؟؟
لا تستغربوا.. إذا قلت أن جوابي أيضا لم يكن دقيقا شأنه في ذلك شأن جواب المحققين.. بل جوابي  فيه غموض ولبس أكثر مما هو مقنع.. بل سأرفض جوابي الآن رفضا مطلقا وأتراجع عن اتهام الإنسان .. وسأعترف أن الإنسان ليس هو القاتل ولا المغتصب.. أتعلمون لم؟  لأنه ،وببساطة، لو كان إنسانا لما قتل ولا اغتصب ولا نهب.. فمن يكون الذي قتل يا ترى؟
إن الذي قتل واغتصب [إنسان] ولكن ليس |الإنسان|. أتدرون ما الفرق بين الأول والثاني؟ أما الثاني الذي لم يقتل ولن يقتل فهو كائن حي يؤمن بالحرية ويتحمل مسؤولية أفعاله ويخجل من نفسه عندما يجدها  تهدم الإنسانية،وينتابه القلق والحسرة والأسى جراء ما تتعرض له الإنسانية من بشاعة وقسوة وانحلال.. وهذا الذي  يستحق أن نعترف بقيمته المطلقة كـ |الإنسان|. والأول،كائن حي يؤمن بالحرية في أن يفعل ما يريد بـالثاني !الإنسان!، لكنه يجرد نفسه من المسؤولية جراء ما يصيب الإنسانية من شلل كنتيجة لأفعاله البشعة القذرة، ولهذا تعمدت  زجه في السجن بين معقوفتين  دون تعريفه لأن عدم تعريفه ب "ال" التعريف دلالة على عدم اعترافي به كـ|الإنسان|. فلما هذا الأخير هو القاتل،ألأنه نسي إنسانيته؟ وما الذي جعله ينسى؟ أو ما طبيعة النسيان الذي طاله: أ هو نسيان قصدي إرادي؟ وإذا كان نسيانه قصديا،فما الذي يقصده من وراء هذا التناسي؟ أم أن نسيانه مجرد نسيان لا إرادي لأنه لم ينس انه سمي إنسان لأنه ينسى؟ وإذا كان نسيانه من هذا النوع الثاني،فلماذا لم ينس انه ينسى؟وكيف يستعيد ذاكرته وبالتالي إنسانيته ،إذا كان قد نسي بقصد أو بغير قصد؟ وهل إذا تذكر الإنسان آدميته،سينسى القتل والاغتصاب والنهب ورمي الأطفال في القمامات..وإذا حدث هذا،ألا يكون هذا إعلانا عن موت الإنسان ونهاية الحياة؟ وفي نفس الوقت ألا يكون خوف الإنسان من نهايته وفنائه ،ورغبته في الاستمرار سببا رئيسيا في نسيانه لإنسانيته،إذ يكون اللاقتل واللااغتصاب..اعلانا عن موته؟ ألا يكون المنسي في النهاية ،هو هذه النهاية المطلقة التي لا نهاية لها ؟
في البداية أود التمييز بين نوعين من النسيان: نسيان إرادي،يمكن أن ننعته بالتناسي. ونسيان لا إرادي. أما الأول فهو ذلك النسيان الذي نتخذه وسيلة لبلوغ بعض الأهداف، والذي بدونه لن تتحقق.  كأن ننسى،مثلا، ما تسبب لنا فيه شخص قريب منا من أذى، إذ بدون هذا النسيان لا يمكننا إلا أن نترامى في دائرة القسوة والبشاعة. أما النوع الثاني،فهو الذي يكون نتيجة،لا وسيلة، لاهتمامات ومشاغل أعظم،تجعلنا لا نكترث ولا نهتم بصغائر الأشياء وأحقرها. وقد نضيف نوعا ثالثا من النسيان،ذلك الذي يمكن تسميته بالنسيان المرضي، ويرتبط بأشخاص بعينهم،بسبب خلل في حفظ الأشياء في الذاكرة،أو في عدم القدرة على التركيز أثناء انجاز أي عمل.. ففي أي نوع من هذه الأنواع،يمكن أن ندرج نسيان الإنسان لإنسانيته؟
قد لا تشاطرونني الرأي،إذا قلت لكم إن الأمر يتعلق بنسيان إرادي ولا إرادي في نفس الوقت: فالنسيان الإرادي مرتبط بتجاهله لسؤال المصير،ونسيانه كون الإنسانية غاية. والثاني مرتبط بهذا الأول، وهو إفراطه في استعمال "العقل الحساباتي الرياضي" لدرجة صار ارتداء لباس الإنسانية من أحقر اهتماماته وأذلها بسبب كثرة الانشغال بأمور تافهة عابرة.
لقد حان الأوان لدق جرس الخطر،وإشهار هذه الحقيقة المرة،وهي أن العقل والقدرة على التفكير،لم يعدا كافيين للتمييز ببين الحيوان والإنسان،إذ إذا كان العقل أداة لممارسة التفكير والتعالي عن الزمان والمكان لمعانقة تلك الغايات السامية الكبرى التي تجعل الالتزام بالقواعد والضوابط فعلا واجبا  لأنه يحدد إنسانية الإنسان،فإن هذا "الحيوان العاقل " تمرد عن الواجب، وصار يستعمل عقله،ليس لإبراز التميز عن "الحيوان غير العاقل"، وإنما ليصير حيوانا لا عاقلا،مما جعل "الحيوان الإنسان" يضاهي "الإنسان الحيوان" في إنسانيته،لقدرته  على احترام القواعد ،وصار أكثر إنصاتا لنداء الواجب،وأكثر احتراما لنفسه ولوظيفته... وماهيته: فأبدا ما حاول البغل أن ينبح أو يتجرد من حمل الأسفار أو يقوم بدور الحراسة.. وفي المقابل لم نجد كلبا تجرأ لينهق،ويحمل الأسفار والأثقال... هل التزمت هذه الحيوانات بأدوارها،وتشبثت بحيوانيتها لأنها تفتقر إلى العقل؟أم لأنها أعقل من الإنسان؟ وإذا كان الإنسان أعقل منها،وافتخر بذلك، فلمَ قلد نباح الكلب للتخويف، ومكر الثعلب للخداع، وقوة الأسد للسيطرة والاستبداد والتسلط والتجبر... لكن لم لمْ يقلد الزرافة في حنانها وعطفها، والحمام في سلامها، والجمل في صبره... الحقيقة هو انه هو من أراد ذلك،عقله هو من جعله يختار هذا دون ذاك.. عقله هو من جعله يفكر في أن يكون أسدا وثعلبا وكلبا،لا جملا،لا حمامة ولا زرافة،  لأن لا شيء يصبو إليه غير أن يصير حيوانا.. فما قيمة عقل يبعدني عن الحمامة والزرافة،ويقربني من الأسد والثعلب؟ بل ما قيمة عقل يعمق الهوة بيني وبين إنسانيتي ويردمها بيني وبين الحيوانية؟
يظهر إذن أن سبب نسيان الإنسان لإنسانيته هو استخدامه للعقل فقط،وإفراطه في استعماله. مما يجعل كلام أرسطو عن كون "الإنسان حيوانا عاقلا" ليس كافيا لوضع هوة ساحقة بين النوعين (الإنسان والحيوان)،بل نحن في حاجة إلى تمييز بخاصة أخرى غير خاصة العقل.
لم يكن الإنسان ليقتل ويسرق ويغتصب ويحارب... لو أدرك أن بداخله حديقة حيوانات من مختلف الأنواع. وأن منها من تفرض عليه حيوانيتها من أجل التلذذ للحظات عابرة بأفعال حيوانية لتكون تلك الحيوانات محققة لغايتها الحيوانية ويكون الإنسان أسير هذه الغائية.. فلو أدرك ذلك لما أهرق دماء آدمي.. وأعلن الحرب مع نفسه وحيوانه لكي يهرق دماءه، لأن الانتصار على هذا الحيوان،هو تقديس لنفسه وتحقيق لكرامته  وعودة إلى ذاته ،وبالتالي إعلان وإشهار لإنسانيته المضمرة في حيوانيته.
خلاصة القول، كل الظواهر اللاإنسانية، هي ظواهر ناتجة عن نسيان الإنسان لإنسانيته،هذا النسيان الذي يعزى إلى الإفراط في استعمال العقل الحيواني المرتبط بالنزوات والشهوات والرغبة في الاستمرار والتواجد ولو كان ذلك على حساب الغير.. لأنه منطق الحيوان " وديمقراطية" مملكة الغابة..  ويعزى،ثانيا، إلى نسيان سؤال المصير والبحث الإنسانية،اعتقادا منه أن الإنسانية ليست إلا مظاهر فيزيولوجية لا أقل ولا أكثر،بينما الإنسانية مبادئ وقيم وسلوكات،لا نحتاج فيها إلى العقل فقط، بل إلى العقل العملي الأخلاقي بلغة الفيلسوف الألماني كانط، هذا العقل الذي سيمكننا من تذكر النهاية التي لا نهاية لها،تلك النقطة الثابتة التي تقع عليها الحقيقة المطلقة ، ونسيان النقط/ اللحظات العابرة الزائلة الزائفة الموجودة في عالم العوارض بلغة أفلاطون..  ذلك العقل الذي يجعلنا نسمو بالنفس من مراتب الديدان والخنافس والخنازير... إلى مرتبة الفضلاء الحكماء الأخيار.. عقل يرفعنا من  مرتبة السقاط الرعاع الذين يعبدون نفسهم الدنيئة إلى مستوى الأحرار الذين اتبعوا نفسهم الشريفة بلغة ابن مسكويه...  
وأختم بقولة لهيدجر الألماني " تنطق الحكمة قائلة : كل موجود يوجد في الوجود،وبصورة دقيقة الوجود هو الموجود."فاسأل نفسك هل أنت موجود بصورة حقيقية دقيقة الوجود؟ أو بالأحرى اسأل نفسك هل أنت خالص في وجودك،أم مشوه مزيف  مختلط المكونات:حيوانية وإنسانية؟ اختر ماهيتك ووجودك،لأن الامتناع عن الاختيار خيانة للوجود بلغة سارتر.وإذا اخترت،اسأل نفسك هل اخترت "الإنسان" أم "الحيوان".. ولا تنس ان أيا كان اختيارك فأنت مسؤول عنه. ولهذا فلن تنسلخ من إنسانيتك مهما أردت ذلك،فأنت إنسان،فقط لأنك مسؤول.
سعيد الطاهري 2012/04/05
دامت لكم متعة القراءة وجرأة النقد