samedi 21 février 2015

الوضع الصحي واجبارية العلاج

لعل ما تناقلته المواقع الالكترونية هذه الأيام ، وتتناقله منذ سنوات قليلة مضت، من فيديوهات مصورة داخل حجرات الدرس،أو داخل المؤسسات التعليمية بوجه عام، تبين عن مدى اعتلال الوضع الصحي للمدرسة المغربية.
و مثلما يحتاج الناس إلى مستشفيات تعيد إليهم سلامتهم العقلية والجسمانية.. تحتاج منظومتنا التربوية برمتها إلى مستشفى يعيد إليها سلامتها و بريقها وصورتها الأصل ،حيث كانت تؤدي دور التنشئة التربوية والأخلاقية والمعرفية التأهيلية بالفعل.. وهذا يستدعي الإيمان المطلق الذي لا شك فيه، بأن السير بالمجتمع نحو التقدم والازدهار، يقتضي الاعتراف بأن لا ازدهار ولا تقدم ولا استقرار إلا بتربية وتعليم جيدين.. حيث مهما قبلنا بكون المقاربة الأمنية قادرة على حفظ الاستقرار والأمن ،فإنها ستظل عاجزة عن صنع التقدم الصناعي والحضارة الفكرية كشرطين أساسين للاستقرار .. وعلى هذا الأساس، فإن تنامي عقلية معوقة،وتدني مستوى الوعي، و وجود فكر مشوه، وعلم غير ناضج ، ستنتج عنه شريحة عريضة، إن لم نقل كل الشرائح الاجتماعية، لا تتقن إلا الفوضى والضجيج والهيجان والتخريب والهدم، إلى مستوى لن تفلح معه المقاربة الأمنية، أي، أن جهاز الأمن في هذه الحال لن يجدي نفعا، ولن يفلح في التصدي لمثل هذه الظواهر. إذ سنكون أمام عنف و عنف مضاد،وبالتالي الفوضى العارمة. 
وأعتقد أن المدرسة المغربية قد شرعت في إعداد وتأهيل هذه الفئة المحترفة في ''الاجرام والتخريب'' (والفيديوات الأخيرة المتتالية تبين ''الوضع الصحي'' للمدرسة، كما تثبت في الآن نفسه هذه الوظيفة الجديدة للمدرسة: نقصد وظيفة إعداد وتأهيل المجرمين والقتلة والمخربين). وهذا ما سيكلف الدولة ضريبة إصلاح المجتمع في كل مناحيه،بسبب تجاهلها لأهمية التعليم. لذلك فمن دون رغبة حقيقية لإصلاح هذا القطاع والنهوض به،ومن دون الشعور بإجبارية علاجه، ستختل كل الموازين لا محالة وستنتقل العدوى إلى كل الجسد الاجتماعي: حيث سيكون الطبيب في السجن، والمعلم في مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، والقاضي في محل تجاري والجاهل في مقاعد السياسة، ورجل الأمن غارق في نومه نتيجه الإرهاق في مواجهة الجاهل التائه الثائر ..ووجود أعراض كهذه، تؤشر عن حال مؤزمة واعتلال لكل جسم/جسد المجتمع.
إن نتيجة كهذه (اعتلال الجسد الاجتماعي ككل) ليست سوى الشرط الأساس، إن لم نقل السبب، في انحلال وأفول أي دولة مهما كان تاريخها عريقا.
ختاما،نقول لا مفر من الاصلاح ولابديل عنه إذا أردنا تفادي انتقال العدوى،وبالتالي تفادي الاندثار والانحلال. والإصلاح يستدعي أولا الوعي بأهمية المدرسة ودورها الأول والأخير في استقرار المجتمع (اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) وازدهاره علميا وتكنولوجيا، وهذا بدوره يشترط:
1- أساتذه مكونين ويتكونون باستمرار لمواكبة كل التغيرات، وبالتالي تجديد طرق التدريس وتقنياته وحتى المضامين المدرسة،مع تأهيل وتكوين آخرين لسد الخصاص،
2- وجود مؤسسات تعليمية: نوعا/كيفا(أي : مجهزة بكل التقنيات والأدوات الاساسية للقيام بمهمة التدريس).، وكمّا (أي وجود العدد الكافي منها لتجنب الاكتظاظ ( وهذا الشرط مرتبط بسابقه بشكل وثيق)
3- سن قوانين منظمة للقطاع بشكل يسمح بتحقيق وظيفتي المؤسسة التعليمية (التربوية والعلمية)، مع ما يستدعيه هذا من رسم للحدود بين الأستاذ والتلميذ، حيث الأصل أن يتمتع التلميذ بحق التعلم إذا توفر فيه الشرط الأخلاقي والسلوكي(وهذا شرط تساهم في توفيره الأسرة وإلاعلام والمدرسة نفسها في السنوات الاولى من التعلم = التعليم الاولي والابتدائي)،بمعنى أن يقوم التلميذ بواجب الاحترام (لفضاء المؤسسة وممتلكاتها وكل الفاعلين بها، وتتحرك فيه الرغبة الحقيقية للتعلم) قبل أن يكون له الحق في التعلم ..
4-له علاقة بالسابق- إعادة الاعتبار للأستاذ معنويا وماديا، وذلك بإصلاح وضعه الإداري والاعتباري ،حيث هو محور العملية التعليمية التعلمية وليس التلميذ، وكذا المادي حيث إن الأجور الزهيدة لا تناسب الجهذ المطلوب بذله للقيام بتلك المهمة الصعبة: مهمة تربية النشئ والأجيال وإعداد المواطن الصالح...

ونسأل الله أن يعجل بالشفاء للتعليم، ويوقظ في من هم دواء دائه، الشعور والحماس للشروع في برنامج العلاج بالجرعات الكافية والضامنة للشفاء.. لأن في استمار علته وسقمه، إيذان بالموت للمجتمع ككل بدون شهادة..


سعيد الطاهري- 21.02.2015