dimanche 13 octobre 2013

بين قُبلة الناظور وجنون الداخلة وفوضى الرباط



بين قُبلة الناظور  وجنون الداخلة وفوضى الرباط



 يعيش المجتمع في هذه الأيام  في وضعية ''لا يحسد عليها'' بل قل يرثى لها.. بسبب قبلة رسمها تلميذ على شفتي ""معشوقته""،فأثار هذا الفعل جدلا قويا  وواسعا  على المستوى المحلي والإقليمي والوطني، بل قد وصل صداه إلى قنوات عالمية ((كنال بلوس))، وقد اختلفت الرؤى بين من يرفض بالبتة هذا الفعل باعتباره فعلا يمس بأخلاقيات وكرامة المجتمع المغربي، وموقف ثان  لا يرفض الفعل في حد ذاته ولكن يرى انه لو تم في الكواليس خارج الأنظار احتراما للآخر  (كقاعدة أخلاقية) لكان أفضل ، لأنه أقل ضررا من التشهير،إذ إن التشهير بمثل هذه الأفعال ((اللا أخلاقية)) في نظرهم  سيفتح باب ""الفوضى الأخلاقية"" على مصراعيه،وربما هذا ما يكشف عليه المشهد الذي تابعناه خلال الساعات القليلة الماضية بالداخلة حيث رفع تلميذ يافطة بالمؤسسة يشهر بها ""حب أميمة''" فتوقفت الدراسة لساعات ..
وهناك  من يرى ،أن خشبة مسرحية المجتمع المغربي تعرض كل يوم مشاهد أكثر سوءا و إساءة للمجتمع المغربي، لكن أصحاب هذا الموقف  تقول انه يتم التغاضي عنها لأسباب يذكرونها.. ولهذا فان  ''مشهد  القبلة '' لا يستدعي كل هذه الضجة وكل هذه الاعتقالات والمحاسبات القضائية . وهو الموقف الذي دافعت عنه العديد من الجمعيات الحقوقية والمنظمات التي تندد بالحريات الفردية ..
وفي نفس اتجاه هذا الموقف الأخير، ظهرت حركات  مدافعة ومتضامنة مع نفس المشهد،وأبت إلا أن تعيد تجسيد و ''تمثيل" المشهد نفسه (هذا في حالة ما كان تمثيلا تضامنيا،لأنه قد يخفي  تحقيقا لنزوة مكبوتة)  أمام الملأ وأمام المؤسسات العمومية (أمام قبة البرلمان). حركة أرادت أن تعبر عن رفضها للاعتقال الذي تعرض له التلميذين،وفي نفس الوقت تطمح إلى تبليغ  رسالة  عنوانها الكبير  '' الحرية و  اللامبالاة'' ،كما حدث ذلك بالرباط أمس(12/10/2013)، فهي تعتقد   أن الحرية  هي أن يتصرف كلنا حسب ما يمليه عليه هواه ونزواته  ويفعل كل ما يحلو له .. ولكن العمل بالمبدأ نفسه قد يقودنا إلى فوضى عارمة.. وهو ما حدث بالفعل لما شعر أحد الملاحظين أو المارين أن حرية  هذه الحركة في تمثيل/تجسيد/تحقيق  ((المشهد التضامني بالتقبيل  العلني )) يستفزه في مشاعره ويغتصب ''حريته الأخلاقية''،وبنوع من النرفزة ،وبكلمات مشينة جارحة ، تدخل لفتك المشهد من اجل  ''اغتصاب'' متعة ''الممثلين''. وهذا ما جعل  (وللأسف) أمين البارودي الذي وقف  ضد منظمة القبل يسقط في نفس خطا الحركة المدافعة عن الحرية ،لأنه دافع عن مقاصد نبيلة بوسائل ساقطة (رغم أن الأمر قد يكون لائقا بالنظر إلى طبيعة المشهد). وهذا يدعونا إلى إعادة تحديد معنى الحريات الشخصية،باعتبارها حريات يتمتع بها كل فرد داخل المجتمع الذي تحكمه ضوابط اجتماعية  وقواعد أخلاقية وقوانين إنسانية. 
إن الحرية هي أن تسلك كما لو كنت ""ملاحظا/منفعلا'''' لا ""فاعلا""،أن تسلك،ليس كذات معزولة،وإنما كفرد اجتماعي وكشخص يستضمر ''حسا اجتماعيا أخلاقيا''،هي ان تكون الإرادة الفردية لكل واحد منا في إطارها المشروع، تبعاً لقواعد اجتماعية (مجتمعية) و قوانين  كلية كونية إنسانية. أو إنها بلغة الفيلسوف الألماني كانط '' هي ذلك الممكن الذي يتحقق عبر الفعل، لذلك فإن السلوك الإنساني هو تجسيد للحرية، من منطلق أن استقلالية الإرادة تشكل المبدأ الوحيد لكل القوانين الأخلاقية والواجبات الملائمة لها ''. ولهذا فالحرية – في نظرنا -  تعني القيام بما يجب القيام به لا بما نريد القيام به- اذ هناك فرق شاسع بين أن تفعل ما تريد لانك حر،  وبين ان  تفعل ما يجب عليك فعله لانك أيضا حر،ولكن في نفس الوقت مسؤول عما تفعل بالنظر إلى أثره (الايجابي أو السلبي) على الغير. فانت لست وحيدا في العالم ،بل ولانك تعيش مع الآخر،وتكتشف به وعبره مدى انسانيتك (لانك في الاصل حيوان)،فعليك ان تدفع ضريبة الانسانية..ولعل ضريبة الانسانية هي ((القيام بالواجب تجاه الذات والغير في نفس الوقت)). أي ان  تحقق رغباتك،إراداتك،لكن في اطارها الاخلاقي. ''" أسلك بشكل تعامل به الإنسان في شخص غيرك كما في شخصك ودائما كغاية وليس كوسيلة ''،كما يقول كانط.
   ولكن، عندما تؤمن مثل هذه الحركات (التي وللأسف تتحرك إلى لا قصد لا وجهة،أو إن  أقل ما تطمح الوصول إليه هو أن  تصل إلى حيث بدأت،أن تصل إلى العبثية والفوضى الأخلاقية) بالحريات الفردية في كل شيء انطلاقا من مبدأ و أساس خاطئ  يتمثل في ((عش حياتك وخلي الناس تعيش حياتها))،أو ''عش ومتحضيش'' ، تنسى (أي هذه الحركات)  أن هذا المبدا يتم العمل به في مملكة الغابة حيث تغيب القوانين، والأعراف والقواعد الأخلاقية (ولو تحدثنا بصدق لأنصفنا الحيوانات وقلنا أنها ذات مبادئ وقواعد تؤطر حريتها بشكل لا يمكن ان يفهمه أي ''حيوان بشري'')،أما في عالم الثقافة والمجتمع والحضارة فلا يمكن العمل بهذا المبدأ،لان العمل به هو ''صافرة'' انطلاق مباراة الفوضى والحرب،بالفعل ستكون حربا باردة،لكنها في الوقت نفسه مسمومة ومميتة،حيث ستكون،ليس بين الأجساد وبالأسلحة ولكن بين المبادئ والمعتقدات بالحريات،وستكون مستفزة للنفوس مما يخلق في  نفس أي شخص منا  نوعا من اللاأمان واللاستقرار،نوعا من الخوف والتوتر والاضطراب،وهي حالة يمكن ان نصطلح عليها ''حياة الموت" .. ومن هنا أهمية توحيد المبادئ الأخلاقية العامة حفاظا على الحريات الشخصية.. لان كل شخص يعشق منا  الحرية. لكن يبقي السؤال،كيف نجسد هذه الحرية وكيف ندافع عنها وكيف نوظفها؟؟ وهل يمكن الدفاع عن الحرية بالحرية؟؟؟؟
سعيد الطاهري
13/10/2013