lundi 18 novembre 2013

ميلاد جيدد



كَيومَ وُلدت ...

نعم،لم تعد لدينا - مع هذه العوالم الالكترونية - فرصة نسيان اليوم الذي رأينا فيه النور وبزغنا فيه إلى الوجود،فالسيد ''الفيسبوك'' جزاه الله خيرا، يسهر على تذكيرنا وتذكير كل أصدقائنا الذين نحبك معهم هذه الخطوط العنكبوتية.. 
و عند منتصف الليل ستخبركم إدارة الفيسبوك بعيد ميلادي (19/11) بل حتى بعدد السنوات التي عمرت الأرض فيها  إلى الآن .. ولا شك أنكم ستبعثون إلي برسائلكم وبرقياتكم وتهانيكم.. غير أن هذه الأخيرة تحمل،إلى جانب ما تحمله من حب وإخلاص وصداقة وود،تحمل دهشة وحيرة وشكا وتساؤلات.. من قبيل  : هل يحتفل (صديقنا هذا) بعيد ميلاده؟ وكيف يحتفل؟؟
لن أترك عقولكم محتارة، سأخبركم أنني لم أحتفل قط بعيد ميلادي،ربما لأن  تاريخ ميلادي كان قابعا في عالم النسيان،لا أحد يذكرني به، وحتى لو ذكرني به فإن الوضع لم يكن يسمح للاحتفال به،بل حتى وإن كان سمح للاحتفال بنسبة معينة،فإن كيفية الاحتفال  مجهولة في ثقافتنا الضيقة، إذ لا أحد يحتفل في حينا وقريتنا الصغيرة ...
لكن، سأحتفل اليوم،لكي أخرج هذا الاحتفال من عالم الكمون إلى الوجود،لكي أثبت أن الاحتفال بهذه المناسبات من حقنا جميعا،فقراء وأغنياء،عقلاء ومجانين،صغارا وكبارا.. سأحتفل، لكن بطريقتي الخاصة ..
من عادة بعض الناس في أعياد ميلادهم تأثيث الغرف وتزيننها وزخرفتها بباقات الورود والبالونات من مختلف الأشكال والأحجام والألوان، وكذا إعداد أطباق من الحلوى من مختلف اللذات .. مكتوب عليها ''عيد ميلاد سعيد يا.." او هناك من بالغ في التعبير فاستعمل اللغات الأجنبية ''joyeux anniversaire../ happy birthday.. ''،وعلى إحدى هذه الأطباق تُصَفُّ شموع حسب عدد سنوات عمر المحتفى به  تطفأ تحت ظلمة حالكة،فيها يتمنى صاحب عيد الميلاد أقصى أمنياته، وبعد برهة من الظلمة  تُشغل الأضواء من جديد وقد ملأ دخان هذه الأخيرة المكان بروائحه الكريهة،وكأن أحلام المحتفى به قد تبخترت،رغم أن السواد الأعظم من الناس يعتقدون أن عودة  الأنوار بعد صعود دخان الشموع،هو بمثابة بعث جديد إلى الحياة وبداية لتحقيق الأمنيات.. إلا أن ما يجهله الكثير،هو أن أصل وضع الشموع على طبق الحلوى وإطفائها في أعياد الميلاد يعود إلى اليونانيين الذين اعتادوا على وضع الشموع على الكيك ذي الشكل المستدير على شكل القمر،والذي يقدمونه إلى ''إلهة القمر'' التي تدعى Artémis ،وكانوا يعتقدون أن الدخان المنبعث من الشموع سيحمل صلواتهم (دعائهم) إلى Artémis  .. (وهناك دلالات أخرى لهذا الطقس في ثقافات أخرى كالألمان ورجال دين العصور القديمة)..
لهذا السبب،لن أعد أطباقا من الحلوى،ولن أرتب وأؤثث المكان من حولي.. لن أطفأ الأنوار لأجعل الشموع تحترق وتبكي .. لن اجعل المكان صاخبا بأي نغمة كيفما كانت .. لن أشارك الناس هذا الاحتفال الخاص،لا تصفيق، لا زغاريد، لا أهازيج لا أغاني..  بل سأُعٍدّ نفسي لأبدأ الحسابات والمراجعات،سأنزوي في إحدى زوايا غرفتي وسط حالة من الفوضى حيث لا شيء في  مكانه الطبيعي .. بالفعل سأطفئ الأنوار،ليس لأطفئ الشموع بعدها وأبدأ صياغة أحلامي ،وأستقبل السنة الجديدة بعد اشتعالها من جديد،بل لكي أجعل المكان – فقط -  شبيها بالظلمة الحالكة لأعماق ذاتي وأبدا قراءة التقرير السنوي وأستعد  للرحيل بعده ..
سأطفئ الأنوار  لكي  أتمكن من احتضان نفسي  بشدة، دون أن تتسلل إلينا عين جاسوس لرؤية ما نفعل .. وسأصغي إليها بكل هدوء دون أن تتمكن أُذن مغتاب من سماع ما نروي .. سأتشمم الروائح المنبعثة من روحي المتعبة بالخطايا والذنوب بدل روائح دخان الشموع الصاعد إلى السماء ..  سأبكي حال قلبي الذي انشغل بالكره  والحسد والحقد على الناس .. سأتفقد الوضع الصحي لعقلي الذي تاه بي في الضلال والجهل والأخطاء الفادحة .. سأضع نفسي لأتأمل عجرفتها الفارغة وكبرياءها المهزوز .. سافعل كل ذلك لكي أعاتب نفسي .. وسأصمد وأنتصب بكل تدلل،لكي أتقبل نتيجة أفعالي .. وسأنفث،أخيرا، دخان الأنفاس المرهقة لأستريح .. فأشعل الانوار لأستقبل السنة الجديدة وأشرع بالعمل بالهوية الجديدة،أو على الأقل بالحلة الجديدة..
فعفوا لكل من بعث  لي تهنئة تذكرني بأخطائي ،لأني قد قررت أن أستريح منها،
v  وشكرا لكل من دعا الله من كل أعماق قلبه أن يغفر لي كل ذنوبي ..
v  شكرا لكل صاحب قلب كريم سامحني رغم أنني لم اعتذر له ..
v  شكرا لكل من أخلص في دعائه ،وسأل الله لي الثبات والسداد في ما تبقى من عمري..

dimanche 13 octobre 2013

بين قُبلة الناظور وجنون الداخلة وفوضى الرباط



بين قُبلة الناظور  وجنون الداخلة وفوضى الرباط



 يعيش المجتمع في هذه الأيام  في وضعية ''لا يحسد عليها'' بل قل يرثى لها.. بسبب قبلة رسمها تلميذ على شفتي ""معشوقته""،فأثار هذا الفعل جدلا قويا  وواسعا  على المستوى المحلي والإقليمي والوطني، بل قد وصل صداه إلى قنوات عالمية ((كنال بلوس))، وقد اختلفت الرؤى بين من يرفض بالبتة هذا الفعل باعتباره فعلا يمس بأخلاقيات وكرامة المجتمع المغربي، وموقف ثان  لا يرفض الفعل في حد ذاته ولكن يرى انه لو تم في الكواليس خارج الأنظار احتراما للآخر  (كقاعدة أخلاقية) لكان أفضل ، لأنه أقل ضررا من التشهير،إذ إن التشهير بمثل هذه الأفعال ((اللا أخلاقية)) في نظرهم  سيفتح باب ""الفوضى الأخلاقية"" على مصراعيه،وربما هذا ما يكشف عليه المشهد الذي تابعناه خلال الساعات القليلة الماضية بالداخلة حيث رفع تلميذ يافطة بالمؤسسة يشهر بها ""حب أميمة''" فتوقفت الدراسة لساعات ..
وهناك  من يرى ،أن خشبة مسرحية المجتمع المغربي تعرض كل يوم مشاهد أكثر سوءا و إساءة للمجتمع المغربي، لكن أصحاب هذا الموقف  تقول انه يتم التغاضي عنها لأسباب يذكرونها.. ولهذا فان  ''مشهد  القبلة '' لا يستدعي كل هذه الضجة وكل هذه الاعتقالات والمحاسبات القضائية . وهو الموقف الذي دافعت عنه العديد من الجمعيات الحقوقية والمنظمات التي تندد بالحريات الفردية ..
وفي نفس اتجاه هذا الموقف الأخير، ظهرت حركات  مدافعة ومتضامنة مع نفس المشهد،وأبت إلا أن تعيد تجسيد و ''تمثيل" المشهد نفسه (هذا في حالة ما كان تمثيلا تضامنيا،لأنه قد يخفي  تحقيقا لنزوة مكبوتة)  أمام الملأ وأمام المؤسسات العمومية (أمام قبة البرلمان). حركة أرادت أن تعبر عن رفضها للاعتقال الذي تعرض له التلميذين،وفي نفس الوقت تطمح إلى تبليغ  رسالة  عنوانها الكبير  '' الحرية و  اللامبالاة'' ،كما حدث ذلك بالرباط أمس(12/10/2013)، فهي تعتقد   أن الحرية  هي أن يتصرف كلنا حسب ما يمليه عليه هواه ونزواته  ويفعل كل ما يحلو له .. ولكن العمل بالمبدأ نفسه قد يقودنا إلى فوضى عارمة.. وهو ما حدث بالفعل لما شعر أحد الملاحظين أو المارين أن حرية  هذه الحركة في تمثيل/تجسيد/تحقيق  ((المشهد التضامني بالتقبيل  العلني )) يستفزه في مشاعره ويغتصب ''حريته الأخلاقية''،وبنوع من النرفزة ،وبكلمات مشينة جارحة ، تدخل لفتك المشهد من اجل  ''اغتصاب'' متعة ''الممثلين''. وهذا ما جعل  (وللأسف) أمين البارودي الذي وقف  ضد منظمة القبل يسقط في نفس خطا الحركة المدافعة عن الحرية ،لأنه دافع عن مقاصد نبيلة بوسائل ساقطة (رغم أن الأمر قد يكون لائقا بالنظر إلى طبيعة المشهد). وهذا يدعونا إلى إعادة تحديد معنى الحريات الشخصية،باعتبارها حريات يتمتع بها كل فرد داخل المجتمع الذي تحكمه ضوابط اجتماعية  وقواعد أخلاقية وقوانين إنسانية. 
إن الحرية هي أن تسلك كما لو كنت ""ملاحظا/منفعلا'''' لا ""فاعلا""،أن تسلك،ليس كذات معزولة،وإنما كفرد اجتماعي وكشخص يستضمر ''حسا اجتماعيا أخلاقيا''،هي ان تكون الإرادة الفردية لكل واحد منا في إطارها المشروع، تبعاً لقواعد اجتماعية (مجتمعية) و قوانين  كلية كونية إنسانية. أو إنها بلغة الفيلسوف الألماني كانط '' هي ذلك الممكن الذي يتحقق عبر الفعل، لذلك فإن السلوك الإنساني هو تجسيد للحرية، من منطلق أن استقلالية الإرادة تشكل المبدأ الوحيد لكل القوانين الأخلاقية والواجبات الملائمة لها ''. ولهذا فالحرية – في نظرنا -  تعني القيام بما يجب القيام به لا بما نريد القيام به- اذ هناك فرق شاسع بين أن تفعل ما تريد لانك حر،  وبين ان  تفعل ما يجب عليك فعله لانك أيضا حر،ولكن في نفس الوقت مسؤول عما تفعل بالنظر إلى أثره (الايجابي أو السلبي) على الغير. فانت لست وحيدا في العالم ،بل ولانك تعيش مع الآخر،وتكتشف به وعبره مدى انسانيتك (لانك في الاصل حيوان)،فعليك ان تدفع ضريبة الانسانية..ولعل ضريبة الانسانية هي ((القيام بالواجب تجاه الذات والغير في نفس الوقت)). أي ان  تحقق رغباتك،إراداتك،لكن في اطارها الاخلاقي. ''" أسلك بشكل تعامل به الإنسان في شخص غيرك كما في شخصك ودائما كغاية وليس كوسيلة ''،كما يقول كانط.
   ولكن، عندما تؤمن مثل هذه الحركات (التي وللأسف تتحرك إلى لا قصد لا وجهة،أو إن  أقل ما تطمح الوصول إليه هو أن  تصل إلى حيث بدأت،أن تصل إلى العبثية والفوضى الأخلاقية) بالحريات الفردية في كل شيء انطلاقا من مبدأ و أساس خاطئ  يتمثل في ((عش حياتك وخلي الناس تعيش حياتها))،أو ''عش ومتحضيش'' ، تنسى (أي هذه الحركات)  أن هذا المبدا يتم العمل به في مملكة الغابة حيث تغيب القوانين، والأعراف والقواعد الأخلاقية (ولو تحدثنا بصدق لأنصفنا الحيوانات وقلنا أنها ذات مبادئ وقواعد تؤطر حريتها بشكل لا يمكن ان يفهمه أي ''حيوان بشري'')،أما في عالم الثقافة والمجتمع والحضارة فلا يمكن العمل بهذا المبدأ،لان العمل به هو ''صافرة'' انطلاق مباراة الفوضى والحرب،بالفعل ستكون حربا باردة،لكنها في الوقت نفسه مسمومة ومميتة،حيث ستكون،ليس بين الأجساد وبالأسلحة ولكن بين المبادئ والمعتقدات بالحريات،وستكون مستفزة للنفوس مما يخلق في  نفس أي شخص منا  نوعا من اللاأمان واللاستقرار،نوعا من الخوف والتوتر والاضطراب،وهي حالة يمكن ان نصطلح عليها ''حياة الموت" .. ومن هنا أهمية توحيد المبادئ الأخلاقية العامة حفاظا على الحريات الشخصية.. لان كل شخص يعشق منا  الحرية. لكن يبقي السؤال،كيف نجسد هذه الحرية وكيف ندافع عنها وكيف نوظفها؟؟ وهل يمكن الدفاع عن الحرية بالحرية؟؟؟؟
سعيد الطاهري
13/10/2013

dimanche 9 juin 2013

البكارة وجريمة الاغتصاب، محاولة فهم سوسيولوجية

البكارة وجريمة الاغتصاب، محاولة فهم سوسيولوجية
 http://www.midelt-online.com/writers/2307.html
تتشكل الحياة الاجتماعية حسب السوسيولوجي الفرنسي مشيل مافيزولي في معطيين أساسيين: أولا المعطى الديني، ثانيا المعطى الجنسي، فالمدخل إذن والبوابة الرئيسية لتكوين فهم عميق وأساسي للمجتمعات، إما أن يكون مدخلا من بوابة الدين أو من بوابة الحياة الجنسية.
 سنقف في هذا المقال عند الموضوع الثاني، أي موضوع الحياة الجنسية، وما يثيره هذا الموضوع من قضايا وإشكالات في الآونة الأخيرة، فالحياة الجنسية تعتبر موضوع وتخصص مستقل بذاته يتعلق الأمر هنا بــ: سوسيولوجيا الجنسانية ، la sociologie de la sexualité .
  لكن تختلف المشاكل والقضايا التي تثيرها قضايا السوسيولوجيا الجنسانية باختلاف المجتمعات ومراحل التطور والتحرر التي تمر بها هذه المجتمعات، فالمشكل الذي تثيره مثلا الحياة الجنسية في أوروبا  وبلدان الشمال، يرتبط بالخصوص بموضوع المثلية، وزواج المثليين، حول مدى قانونيته وشرعيته.
 في حين أن المجتمعات التي تعيش مرحلة الانتقال كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع المغربي، ترتبط مشاكل الجنسانية عندها أساسا بموضوع علاقات ما قبل الزواج، كما تثار اليوم في الإعلام العمومي مشاكل العلاقات خارج إطار الزواج بالخصوص (المصاحبة) البكارة، العذرية، الاغتصاب،... باعتبارها مواضيع الساحة الاجتماعية الساخنة اليوم.
 فهذه الأخيرة تثار بوصفها طابو اجتماعي وديني  يتجه نحو إضفاء الشرعية على نفسه وتجاوز خانة المحرم للنقاش إلى خانة المسموح أو الممكن للنقاش، يساهم في هذا التحول التطور الهائل لوسائل الإعلام والأنترنيت على وجه الخصوص.
 ومن أبرز المواضيع التي طفت على السطح نجد بالخصوص موضوع البكارة والموضوع الملازم لها وهو موضوع الاغتصاب، إلى درجة أنه يمكننا اختزال أغلب المشاكل الجنسية في مجتمع طور الانتقال، كالمجتمع المغربي عند هذه النقطة بالذات البكارة وفقدانها، حيث يعيش الفرد هاجس وقلق حياة جنسية لمرحلة ما قبل الزواج، وهو أساس هاجس حياة جنسية لحظة الزواج.
في لحظة ما قبل الزواج يرتبط الأمر بالخوف من الفقدان، أما في لحظة الزواج يرتبط القلق بالخوف من عدم الحضور، وبين الحضور والفقدان الذي يعني فيما بعد الغياب، تجمع تيمة البكارة بين العديد من المتناقضات، أكبرها الجمع بين مفهومي المقدس والمدنس.
 يرتبط عنصر التقديس بالعذرية، وهنا الإحالة إلى السيدة مريم العذراء وإلى ديانة قامت برمتها على مفهوم العذرية (الديانة المسيحية)، هذا الأمر نجده أيضا عند مخيلة المجتمعات الإسلامية والمغربية على اعتبار التصديق برسالة عيسى (عليه السلام) وبقصة مريم، يؤكد هذا ما  يحضر من وصف في المخيلة الشعبية للفتاة العذراء حيث يتم نعتها في أوصاف الدرجة العامية "بالولية" "ولية الله".
 أما جانب الدنس فإنه لا يرتبط  فقط بفقدان البكرة قبل الزواج، حيث تسقط كل مواصفات وتعبيرات القداسة  والشرف عن الفتاة، بل يرتبط الدنس كذلك في عنصر البكارة بالدم الذي تفرزه لحظة الإفتضاض، وكل ما يرتبط به من إحساس بالخوف والقلق.
كل هذه الأشياء تجعل موضوع البكارة تيمة ثقافية بامتياز، ما يجعلها من أكثر المواضيع المؤسسة لدينامية المجتمع وحركته الثقافية ولمختلف أشكال القلق والتوتر الاجتماعي، فتجاوز تيمة البكارة يعتبر تجاوزا لأكبر الأشكال والقضايا التي تؤطر الصيرورة الثقافية للمجتمع.
إن الوقوف عند مفهوم البكارة وتحليله لا يتم ولا يستقيم دون الوقوف عند مفهوم الاغتصاب، فإذا كان مفهوم الاغتصاب في اللغة العربية حسب معجم "لسان العرب" يرتبط بكل عملية أخذ أو انتزاع بالقوة حتى ولو كان الأمر يتعلق بانتزاع قلم أو ورقة أو أكثر الأشياء بساطة، فإنه في التمثل السائد تحيل عملية الاغتصاب وبالدرجة الأولى إلى إفتضاض  البكرة، أما  باقي أشكال الأخذ بالقوة فيطلق عليها عادة لفظ "غصب" تجنبا لما تحمله كلمة اغتصاب من حمولة جنسية، تجعلها بمثابة طابو جنسي يمتنع ذكره في الفضاء العام.
 في مقابل هذا اللبس في الاستعمال اللغوي للفظ الاغتصاب في المعجم العربي واستعمالاته  نجد في المعاجم الفرنسة كلمة "viol " تحيل مباشرة إلى كل علاقة جنسية فرضت من طرف على طرف آخر عن طريق الإكراه والعنف، هذا اللفظ في المعجم الفرنسي واضح ويشير مباشرة إلى الدلالة الجنسية ولا يحصره فقط في فعل الإفتضاض، إنه تحديد عام لمفهوم الجنس المكره  من طرف على طرف حتى ولو كان بين الزوج وزوجته.
على العكس بالنسبة للتمثل السائد في المجتمع المغربي، لا يتخذ مفهوم الاغتصاب بعده الشامل والمطلق إلا إذا ارتبط بعملية الإفتضاض. فإكراه الزوج لزوجته على الممارسة لا يعد مطلقا اغتصاب وذلك بحكم الشرع والقانون، كما أن عملية اغتصاب إكراه جنسي لم ينتجع عنها إفتضاض لا تأخذ الأبعاد العامة لمفهوم الاغتصاب بل إنه قد يتم التستر عنها والصمت بحجة تجنب العار.  لأن الحجة المادية للاغتصاب غير واردة، وأنه بإمكان الزمن أو الرحيل إلى مكان أخر أن يعالج ما وقع.
 لكن في حالة وقوع الإفتضاض، فإنه حتى وإن تم برضا الطرفين فإن الأمر يأخذ الأبعاد العامة لمفهوم الاغتصاب، وذلك تحت ذريعة لا يمكن إثباتها أو البرهنة عليها وهي ذريعة التضليل والتدليس تتخذ عادة صيغة الوعد بالزواج. فبمجرد إدعائها من طرف واحد لا يمكن نفيها أو إثباتها. ويعزز من قوة هذا الأمر التمثل السائد بأن الأنثى لا يمكن أن تتخلى عن بكرتها إن لم تخضع للإكراه أو التدليس. 

إن الغرض من هذا المقال المتواضع للبحث في تمثلات مفهوم البكارة ومفهوم الإغتصاب والذي اعتمدنا فيه على ما تم عرضه مؤخرا من برامج وثائقيات حول ظاهرة  الاغتصاب ومشكل البكارة في مختلف وسائل الإعلام الإلكترونية والتلفزية المغربية، هو الوقوف عند التصور العام لمفهوم الاغتصاب بوصفه جريمة اجتماعية. متى يوصف كذلك ولماذا؟ من أجل تحديدها اجتماعيا قبل أن نحددها قانونيا، انطلاقا من الإيمان بأن البعد الاجتماعي هو ما يحدد الأساس القانوني التشريعي، وليس العكس، عبر تغيير أو حذف فصل أو إصدار مدونة أو،أو... ومن أجل أيضا إعادة التمعن في حياة جنسية يشوبها الكثير من الغموض واللبس هي حياة ما قبل الزواج، لأجل حياة جنسية بعد الزواج تبنى على أساس المعاشرة العقلانية المبنية على الحوار.  

samedi 11 mai 2013

سؤال الهوية بين سقراط والقدافي ومدير ثانوية ابن سينا بطنجة



سؤال الهوية بين سقراط والقدافي ومدير ثانوية ابن سينا بطنجة 


يعتبر سجل التاريخ الذاكرة الحية الشاهدة على أن أشخاصا رحلوا عنا وأصبحوا في ''خبر كان'' من الناحية الزمنية.  لكنهم لازالوا يتواجدون معنا،لأن الأقوال المأثورة عنهم تبعث  الروح في أجسادهم لتذكر البشرية كلها بوجودهم وحكمتهم أو حتى بسذاجتهم وغبائهم ...
فعندما تقرأ عبارة  ''أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك '' تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد لتتذكر الحكيم سقراط ..  ولكن عندما تتساءل "من أنتم؟'' فإنك، ومن دون شك، تتذكر رئيس الجمهورية ، معمر القدافي، الذي رحل عنا قبل شهور.
ومن العجيب والغريب أن بين سقراط والقدافي تشابهات عدة،منها ما يتعلق بأن نهايتهما معا كانت مأسوية تراجيدية لأنهما لم يموتا  وإنما قتلا بسبب  ما كانا يؤمنان به من أفكار. أما التشابه الثاني،فيتجلى في أن القدافي يعد سقراط القرن الواحد والعشرين،على اعتبار أن سؤاله ''من أنتم؟'' سؤال يتعلق بالهوية،كما هو شأن  عبارة سقراط التي تدعو إلى إدراك الهوية/الماهية عن طريق الذات.
ورغم أن عبارة/ سؤال القدافي لا يرقى إلى مستوى عبارة سقراط -  لأن  هذه الأخيرة عبارة عن دعوة صريحة وأمر بالعودة نحو الذات من أجل معرفة الحقيقة (حقيقة الذات)، إلا أن سؤال الأول (أي القدافي) عبارة عن تذكير صارخ للأمر السقراطي بطريقة ''كوميدية''، وهو الأخر يروم استكناه واكتشاف هوية المُخاطَب، وبنفس المنهج السقراطي في طرح السؤال: إنه منهج التهكم . غير أن سؤال القدافي أكثر تهكمية وأكثر سخرية، بل هو سؤال تعجيزي لسببين اثنين : الأول،لأن السائل يعتقد أنه وحده من يعرف الجواب. والثاني لأنه طرح في القرن الواحد والعشرين حيث يفترض من المسؤول أن يكون على دراية تامة بماهيته وهويته.
إن البساطة اللغوية والتساؤلية التي صيغ بها سؤال القدافي ، وهو يخاطب (فئة من) رعيته، تخفي وتضمر تعقيدا مركبا يتجلى في اشتماله على كل خصائص التفكير الفلسفي من حيرة ودهشة وقلق. كيف لا، وهو سؤال ماهوي هوياتي. فهل يحق لحاكم حكم شعبا مدة تزيد عن أربعة عقود أن يجهل هوية شعبه؟ هل كل ما قطعت ليبيا من أشواط تاريخية وسياسية ليس بكاف لكي يكون رئيسها على دراية بهوية دولته؟ وبالتالي أية مشروعية لطرح هذا السؤال في القرن الواحد والعشرين ؟
إنه من الغباء والسذاجة، ومن غير المعقول،أن تجد حاكما يجهل  هوية رعيته وشعبه . بل إنه من غير المشروع والمقبول أن يحكم شعبا لا هوية له. ولكن من الحكمة والفطنة أن يدرك أن هوية شعبه ممزقة تستدعي التضميد والتشييد وإعادة التشكيل والتحديد، حتى لو كان ذلك في وقت متأخر، لأن الهوية لا تعرف الزمن،ولكنها مرادفة للثبات والاتحاد.
عفوا أيها القدافي ! لم تكن ساذجا ولا غبيا ولا حتى جاهلا بهوية شعبك، بل كنت حكيما سقراطيا أكثر من اللازم. لأنك لم تكن تجهلهم،بل تجاهلتهم،وتجاهلك لم يدفعهم،وللأسف، إلى الإصغاء لنداء سقراط ليقولوا لك '' من هم؟''، ولكن انتظروك تجيب بدلا عنهم (وهنا يظهر تهكمك) لتصفهم بـ''الجرذان''... وكنت وفيا لهذا الوصف وهذا النعت لما أكدت بأنك ستنقب عنهم، ''زنقة ، زنقة، شبر شبر.. حفرة حفرة..'' لأنه لا تخفى عنك أعشاش الجرذان وكهوفهم.
لقد كانت حكمة القدافي بقدر غباءه. فغباؤه ظاهر على مستوى كيفية طرحه للسؤال، مع تقديمه الجواب بدل من يهمه الأمر (وهذا هو مكمن الاختلاف بينه وبين سقراط،إذ أن هذا الأخير يحير المحاوَر بالأسئلة،لكنه لا يجيب مكانه - توليد المعرفة/الحقيقة من الذات). وحكمته تتجلى في نوع السؤال الذي طرحه. لأنه كما يقال ''السؤال نصف المعرفة''. لذا علينا أن نكون أحكم من حكمة القدافي لنفهم مغزى طرح هذا النوع من السؤال، بدل التفكير في نوع الجواب. بل علينا أن نأخذ العبرة من غبائه الذي قاده نحو تلك النهاية المأسوية، والتي أفقدته عجرفته وكبرياءه وشموخه وحطت من كرامته. فهل انتم – يا من يهمهم الأمر- من المعتبرين؟! أم من المنتظرين؟!
من أوجه الاختلاف التي  نجدها كذلك بين القدافي وسقراط، هي أن هذا الأخير كان يدعو إلى تأسيس النظام الديمقراطي المبني على الكفاءة العقلية السياسية في تدبير الشأن العام، أما القدافي فقد كان مؤيدا للنظام الديكتاتوري،ماسكا لزمام أمور جمهوريته إلى أن فارق الحياة مرغما، بل قد كان ''رجلا'' متشبتا بمروءته وشهامته  يخاطب ''الرجال''. واكثر من هذا، شهد تاريخه السياسي عن مواقفه الطريفة الرجولية،فقد انسحب من الاجتماعات ''الفارغة'' التي يحظرها ''المهرطقون'' .. كما وجه كلمات ساقطة مشينة إلى رؤساء دول اعتبروا أنفسهم عظماء المرحلة التاريخية.. نعم، قد مات ذليلا، لكنه عاش كريما شامخا.
في هذه الأيام القليلة الماضية، تطالعنا الصحف المغربية والمواقع الالكترونية على أنباء ''رجال'' أرادوا الاقتداء بالراحل القدافي في رجولته ،وأسئلته، لكن ''بطعم'' أنثوي، وبدل السؤال الرجولي ''من أنتم؟'' طرحوا  السؤال ''من أنتن؟''. إنه السؤال الذي طرحه مدير مؤسسة ابن سينا(وما أدراك ما ابن سينا) بطنجة على أربع تلميذات بطريقة غير مباشرة. فبدعوى أنهمن ارتدين لباسا ''محتشما'' اعتبرنه سترا لعوراتهن كما أمرهن المشرع الحكيم، وحتى كما حدد القانون الداخلي للمؤسسة، إذ يجبرهن هذا الأخير على ارتداء الوزرة لغايات يجهلها –ربما- واضع هذا القانون، زيادة على أن لباسهن لم يشف غليل مدير المؤسسة،لأنه في نظره لباس غير تربوي، اضطر إلى توقيفهن عن دراستهن.
فلباسهن – بذاك الشكل- في نظره، يعد خرقا لمقتضيات وبنود القانون الداخلي للمؤسسة،لأنه لا يستجيب ''حرفيا'' للكيفية التي ينبغي  ارتداء الوزرة بها (رغم انه لا يتوفر على ما يكفي من الدقة والوضوح في هذه الكيفية). وإذ اعتبر لباسهن (غير  طبيعي)، وقف حجرة عثرة أمام استفادتهم من حصصهم الدراسية كحق مشروع ومنعهن من الدخول إلى المدرسة عن طريق عملائه.
ودون الدخول في مقاصد التلميذات من ارتداء هذا اللباس ''المحتشم''، أي فيما إذا كان مبدأ وقناعة شخصية، أم هو مجرد أقنعة جسدية؟ أو فيما إذا كن محرضات من طرف جهات معينة على ارتدائه لتوجيه رسالة معينة لجهات أخرى،فإنه من الأولى، ومن الضروري،  أن نسأل مدير المؤسسة لماذا يسألهن (من هن ؟)؟ هل سألهن بدافع أن التلميذات لم يحترمن القانون الداخلي بالفعل؟ أم أنهن احترمنه أكثر من اللازم  إلى درجة انه أصبح حاملا لرسائل يمكن اعتبارها ''اديولوجية''؟ ولكن ما ذنب من أفرط في احترام القوانين؟ هل يحق لـ''سيادة' المدير،وهل من الإنسانية، أن يطبق القانون حرفيا ؟أليس من المفروض والمطلوب التعامل مع روح القانون لاحترام حقوق الأفراد وكرامتهم وحرياتهم في الاعتقاد؟ أم أن الأمر لا يتعلق بتطبيق القانون أو عدم تطبيقه ، بقدر ما يرتبط بكونه مدفوعا من طرف جهات معينة  للتصرف بهذا الشكل ''السخيف'' الجائر وغير العادل، الذي لا ينصف الأفراد (التلميذات)؟
على ما يبدو لنا،أن سؤال المدير ''من انتن؟''، سؤال لا يحمل أية قناعات تربوية بيداغوجية،وليس مؤسسا على أية مبادئ قانونية ولا أخلاقية. بل هو سؤال وراءه خلفيات فكرية واديولوجية. ويظهر هذا الأمر جليا عندما نجده ''قذافيا سخيفا'' بامتياز في كيفية طرح السؤال، إذ هو الآخر لا يجهل جواب سؤاله. فهو لا يجهل أنهن أولا تلميذات شأنهن شأن باقي تلامذة المؤسسة الراغبين في استكمال رحلتهم التربوية. لكنه تجاهل هذا الأمر واكتفى بنعتهن ''بالسلفيات..الوهابيات..'' (كما جاء على لسان إحدى التلميذات المعنيات بالتوقيف).. وهي نعوت تَنِّمُّ  وتكشف عن الخلفية التي دفعت به إلى توقيفهن، أي أن الأمر لا يتعلق بعدم الامتثال للقانون الداخلي،وإنما بكونهن لا يوافقن اديولوجيته. فهل هذا مسؤول تربوي عن مؤسسة تعليمية، أم ممثل سياسي لجهة معينة؟ وماذا يمكن أن تكون هذه الجهة في آخر المطاف؟ لن أجيب لأنكم تعرفون الجواب.
بالفعل، لو استند المدير إلى الإطار القانوني فقط لما وجد تعارضا بين الغاية من وضع القانون  ولباس التلميذات. رغم أن القانون نفسه لم يكن واضحا بما فيه الكفاية، لأنه لا يحدد الكيفية التي ينبغي أن ترتدي بها التلميذات الوزرة، لأنه لا يتضمن طول الوزرة ولا عرضها ولا شكلها . كما أن الوزرة لباس يغطي الأعضاء والأطراف العليا في الجسد (الظهر البطن واليدان)، ولا يتعلق بغطاء الرأس. ولهذا نطرح على سيادة المدير الأسئلة التالية:هل حددت في قانونك الداخلي ضرورة وضع غطاء الرأس،أم هو أمر اختياري؟ لو افترضنا انه إجباري،هل حددت شكله؟و ماذا لو تعلق الأمر بتلميذات يرتدين الوزرة كما أَمِرن،ولكن من دون غطاء الرأس؟ فهل يَكُنَّ بهذا الشكل ممتثلات للقانون الداخلي أم لا؟ ثم ماذا عن تلميذات يرتدين الوزرة مع غطاء رأس عاد،لكن من دون سراويل محتشمة؟ هل حددت في قانونك الداخلي أنواع السراويل وحجمها وشكلها وطولها وشدة التصاقها بجسد التلميذات؟ وإذا استطعت أن تضع قوانينا تحدد هذه الأشياء،ألا تخشى أن تتحول مهمتك من مسؤول تربوي عن إدارة شؤون المؤسسة إلى مجرد متتبع لعورات التلميذات؟ ثم ألا تخشى أن تُتَهم بالتحرش الجنسي عندما تلامس سراويلهن لتتحسس درجة التصاقها بجسدهن و بعوراتهن؟ ولو فعلت هذا الأمر، ستكون قد شرعت للتلميذات التي أوقفتهن أن يسألنك: ''من أنت؟''. بل لهن الحق في أن يسألنك أنت وعملاؤك ومن أنت عميلا لهم: '' من أنتم؟'' وبهذا السؤال يصبحن ''مترجلات'' أكثر منك،لأن سؤالك أنثوي ('' من أنتن؟'') .
إذا كان العبقري هو من يصوغ السؤال بشكل يوقع به الخصم في الفخ،سواء أقََََدم  هذا الأخير الجواب أو عجز عنه، فإن الغبي هو من يصوغ السؤال بطريقة توقعه في الفخ الذي يبحث عنه لخصمه. وبالفعل، فقد طرح رئيس المؤسسة سؤالا على هؤلاء التلميذات لكي يوقع بهن في الفخ،أي لكي يثبت أنهن (سلفيات ..ارهابيات..) ، إلا أنه بهذا السؤال نفسه (من انتن؟) أوقع بنفسه في الفخ. إذ بطرحه لهذا السؤال، يكون قد أجبر نفسه على أن يحدد موقعه وماهيته/هويته (أي من يكون هو؟)، بل حتى عملاؤه وأسياده،وكل من ينظر إلى شبيهات هؤلاء التلميذات، على أنهن (ارهبيات .. سلفيات.. وهابيات.. ) وفي الحقيقة، لو طرحوا هذا السؤال على أنفسهم،بل يفترض عليهم طرحه، لوجدوا أنفسهم في مأزق،وسيخجلون لما يجدون أنفسهم – بقوة النص القانوني الدستوري- مجبرين على أن يقولوا ( نحن مسلمون)، لأن هذا الأخير يعترف بان الدولة المغربية دولة إسلامية. وقد جاء في  تصدير مشروع الدستور الجديد ما يلي : "المملكة المغربية دولة إسلامية" "كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها. بل حتى وإن لم يكن مسلما – بدعوى حرية الاعتقاد- فهو مطالب على أن يؤمن بالمثل بالنسبة للآخر في أن يعتقد بكل حرية، مادام الفصل الثالث من الدستور يقر بأن : "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية". وهو ما يعني  في كلتا الحالتين انه ملزم على احترام لباس هؤلاء التلميذات وحريتهن الدينية. فإذا كُنَّ يعتبرن أنفسهن مسلمات، بقوة النص القانوني،أو بمبدأ حرية الاعتقاد، فإنه لا يحق لسيادة المدير أن يخترق النص الدستوري لتطبيق القانون الداخلي للمؤسسة. وبهذا المعنى، يمكن ،افتراضا، أن نقول إن التلميذات اخترقن القانون الداخلي،(وهذا من حقهن،لأنه يتعارض مع القانون الدستوري)، لكنهن، واقعيا وفعلا، احترمن النص الدستوري، مادام هذا الأخير يعترف لهن بإسلاميتهن. وأَلَيس الإسلام – كشريعة ،وليس كمفهوم – هو من أمرهن بما ارتدين، مصداقا لقول الحق تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ''(الأحزاب- الآية 59)؟ وإلا حق لنا في المقابل أن نتساءل : عن أي دولة إسلامية يتحدث مشروع الدستور الجديد ؟ أو بالأحرى عن أي إسلام يتحدث إذا لم يكن يقصد الشريعة الإسلامية؟
من هذا تتضح لنا أهمية سؤال السيد القدافي، لأنه سؤال راهني، يدعو ''سيادة'' المدير وغيره إلى إعادة ترتيب أوراقهم وجمع شتات هويتهم الممزقة،وإعادة النظر في قوانينهم،العامة منها والجزئية، مع تطبيقها وعدم تركها حبرا على ورق، ودون  تكييفها مع المصالح والأهواء والاديولوجيات الفكرية. فالمطلوب هو أن تنزل القوانين من الرفوف لتلامس الواقع، أي أن تخرج من حيز الشعارات الفضفاضة البراقة إلى حيز التنزيل العملي الواقعي الملموس. بل أكثر من هذا، ينبغي صياغتها بشكل واضح،بما لا يترك مجالا للتشكيك في هويتنا. وإلا فل نقل للقدافي شكرا، لأنه نبهنا إلى النزيف الذي ينسف هويتنا، كما دعانا إلى بنائها وإعادة تشكيلها. فقد سألهم ( من أنتم ؟)،ولكن بهذا السؤال يكون قد أجبرنا أيضا أن نسال- في القرن الواحد والعشرين - أنفسنا (من نحن؟)، لأن الوضع الحالي لهويتنا لا يبعث عن الارتياح ولا الطمأنينة، بقدر ما ينبئ بالأزمة الوجودية. وهذا في حد ذاته يشترط سؤالا أكثر حرجا وقلقا، وهو من يحدد هوية الشخص، هل يمكن القول أن كونه  ''إنسان'' فهويته لا تحتاج إلى تشكيل ولا بناء ولا تحديد ولا اعتراف؟ وبالتالي بماذا تتحدد إنسية الإنسان؟ أم أن هويته لا تتحدد إلا  بكونه فردا ومواطنا اجتماعيا داخل دولة معينة؟
هذا الأسئلة وغيرها، هي التي سنحاول الإجابة عنها في مقالنا المقبل – بإذن الله – تحت عنوان : سؤال الهوية بين الأصل الكوني المطلق والاعتبارات الاجتماعية (..فانتظرونا)


 ذ. سعيد الطاهري
06/05/2013